الجزء الثاني
تربى موسى عليه السلام وأصبح شابا في قصر فرعون وأتاه الله الحكم والعلم، فقد كان مؤمنا على دين يعقوب واسرائيل ولم يكن على دين فرعون ويعلم أنه من بني اسرائيل والناس يعرفون انه من بني اسرائيل لكن يقيم في فرعون ويتحكم في شؤون القصر نيابة عن فرعون، وكان عادلا عليه السلام.
موسى عليه السلام يقتل مصري خطأ
ومرت الأيام وكان يسير في الشارع وحده في وقت ليس من عادة الناس الخروج فيه، فوجد رجلان يقتتلان واحد من الاقباط وآخر من بني اسرائيل فاستعان الاسرائيلي على المصري فموسى أخذته الحمية لأن بنو اسرائيل مستضعفين فهجم على المصري فضربه لكمة ليدفعه عن الاسرائيلي لكن موسى عليه السلام لم يكن مقدر لقوته، ومن لكمة واحدة قتله.
فقال موسى عليه السلام هذا من عمل الشيطان أي لم يقصد بل الشيطان الذي جعله لا يقدر قوته بهذه الطريقة، واستغفر الله عز وجل فغفر له، فشعر بأن الله تاب عنه فوعد الله بأنه لن يساعد ظالم بعد الآن لكنه خاف أن يقتل بهذه الجريمة فأصبح في المدينة يترقب وخائف، وسبحان الله يجد نفس الرجل الاسرائيلي يتقاتل مع واحد قبطي مصري مرة أخرى، ويستنجد بموسى فقال له موسى إنك صاحب مشاكل كل يوم عندك مشاكل، لكن أيضا أراد الدفاع عن الاسرائيلي، فلما أراد أن يبطش باللذي هو عدو لهما ( المصري) فقال المصري: أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس.
وعرف أن موسى عليه السلام هو الذي قتل في اليوم السابق وهناك بعض المفسرين يقولون أن الذي قال هذه الكلمة هو الاسرائيلي ردا على وصف موسى له بـ ( الغوي المبين)، فظن الاسرائيلي أنه يريد أن يبطش به، وهذا وارد.
يذكر الله هذه القصة في سورة القصص فيقول
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ (17) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ ۚ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ۖ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19).
موسى يهاجر من مصر خوفا من ظلمه
وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) سورة القصص.
فعرف موسى عليه السلام ان الامر اتضح فاختبأ فجاءه واحد من أصحابه من آل فرعون، يحبه وحذره وقال له إن كبار القوم يعملون مؤامرة ضدك لكي يقتلوك، فاخرج وهاجر من مصر خاصة أن فرعون ما كان يحب موسى كثيرا، بل أبقاه من أجل آسيا وسادات القوم من ال فرعون كانوا يعرفون انه اسرائيلي وارادوا قتله.
شعيب يترك مصر مهاجرا إلى مدين ويلتقي بشعيب
ودعا الله بأن يهديه الطريق فخرج في الصحراء ليس معه طعام ولا شراب ولا ماء ولا يعرف الطريق ولا يعرف أين يذهب فسار في الصحراء، وانتقل من النيل إلى فلسطين ماشيًا على رجليه حتى تقطعت نعاله فأكمل المسير حافيًا، وكان يأكل ورق الشجر ووصل إلى قرية مدين، قرية نبي الله تعالى شعيب، وكان شعيب كان عمر وعاش إلى ذلك الوقت فوصل مدين في زمن شعيب بعد تدمير أصحاب الأيكة الذين كانوا يعبدون الشجرة.
ولما ورد ماء مدين خارج المدينة التي يخرج الناس والرعاة هناك، فوصل ووجد الرعاة يأخذون من البئر الماء ويصبونه في الاحواض والدواب تشرب، وكانت هناك أحواض للناس يستقون منها ووجد عند الماء امرأتان معهم غنم ويبعدن الغنم عن الماء.
فوجد ازدحام عند البئر وشاهد الامرأتان اللاتي يبعدان الغنم عن الماء، فقالوا له ان ابوهما شيخ كبير فساعدهما في السقي، ثم تولى إلى الظلّ وجلس تحت شجرة ودعا الله فقال ربي إني بما أنزلت إليّ من خير فقير.
يروي ابن عباس رضى الله عنه: " أنه كان قد وصل مدين وقد ذهبت جلدة رجله، وقد التصق بطنه بظهره من شدة الجوع، وقد خرج ورق الشجر من فمه فصار أخضر".
سمعت احدى الابنتان بهذا الأمر أي دعاءه لله عز وجل، فذهبتا إلى ابيهما شعيب واخبرتاه بالخبر وعادا إلى موسى عليه السلام ليكافئوه فجاءتهما احداهما تمشي على استحياء، وقالت إن أبيها يدعوه ليجزيه أجر ما سقيت لهم.
فذهب معها في الطريق من شدة حياءها كانت تسير وراءه وما كانت ترشده بالكلام ولكن كانت ترشده بالحصى بسبب الحياء والأدب.
فلما حكى له القصة في مصر، فقال له لا تخف، وطلبت ابنة شعيب بأن يتم استئجار موسى عليه السلام لأنه قوي وأمين.
وشعيب كان فقير أيضا وأراد أن يزوج ابنته لموسى عليه السلام ولم يكن يمتلك شيء ولا يستطيع دفع مهر وهنا طلب منه أن يزوج ابنة لهما على أن يعمل لديه ثمان سنوات كمهر لها فإن أتممها عشرة فهي من عندك.
فسئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأجلين قضاهما موسى فقال صلى الله عليه وسلم ( أتمها وأوفاها ) يعني عشرة سنوات.
يقول الله تعالى في سورة القصص
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ ۖ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَٰلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ۖ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ ۖ وَاللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28).