الفكرة الجوهرية التى طَرَحها وَطَرَقها طارق البشري - بخصوص الحُكم والإدارة في بعض كتبه وبحوثه- تتمثل فيما يلي :
1- إنَّ إدارات الدولة الحديثة فى مصر - منذ عصر محمد علي باشا فى القرن التاسع عشر- نشأت بأساليب التنظيم الأوروبي الحديث فى ذلك القرن والسنوات التى تلته.
وهو ما قامت به أبنية الدولة المركزية القومية آنذاك.
وكان الحكم المركزي طفرةً واسعةً فى مصر، خاصةً مع استعانته فى ذلك بـ :
- بنماذج التنظيمات الإدارية الحديثة فى أوروبا،
- ووسائل السيطرة الحديثة فى ظروف التطور الأوروبي فى الفترة ذاتها.
2- وكان "ظهور أساليب الإدارة الحديثة" فى أوروبا و"نماذج التنظيمات الحديثة" هناك "مُتَوَازِناً" مع "تطور مجتمعات أوروبا الغربية" فى المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية؛ بمعنى أن "النمو" كان "متوازِياً" و"متوازناً"؛ فكان "اشتدادُ عُودِ الدولة" - من حيث القدرات والكفاءات- قد تم بالتوازي مع "اشتداد عود أجهزة إدارة المجتمع المدني"؛ فلم تَطْغَ "قوةُ الدولة الحديثة" على "أجهزة إدارة الهيئات المدنية والشعبية" ولا أزهقت رُوحَها.
3- أما فى بلادنا العربية والإسلامية والشرقية بعامة، فلم يَحدث ذلك "النمو المتوازي والمتكافئ"؛ ذلك أن أجهزة الدولة الحديثة فى بلادنا :
- إمَّا "كَوَّنَها الاستعمارُ" بعد سيطرته على مقدراتنا،
- وإمَّا أنها "نَشَأت نشأةً محلية بخبرات التنظيمات الأجنبية لمواجهة مخاطر الخارج".
وفى مقابل ذلك، وبالموازاة له : كانت "النظم الاجتماعية والاقتصادية فى المجال الأهلى والشعبى" تَجْرِي فى غالبها حسب "الأنماط التقليدية القديمة"؛ وهو ما ترتب عليه "تَعَاظُمُ قوةِ السلطة" - مُمَثَّلةً فى جهاز الإدارة- و"استمرارُ [وزيادة] ضَعْف المجتمع"؛ الأمر الذى رَتَّبَ نتيجةً أفدح تمثلت في : "تَمَدّدِ أنشطة جهاز إدارة الدولة" الذي تَغَوَّلَ بحيث "حَلَّ مَحَل الأنشطة الأهلية للأفراد والجماعات"؛ إذ لم يَعُد ذلك الجهاز يتولى "إدارة الشأن السياسي للجماعة الوطنية" فحسب، ولكنه :
- أصبح "يباشر مختلف الشئون المعيشية للشعب المصري كله".
- كما أصبح "يهيمن على مختلف السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية".
وبسبب "عدم التكافؤ" بين "قوة السلطة" و"ضعف المجتمع"، فإن مصر، منذ عام ١٩٢٣م وحتى الوقت الراهن :
- لم تَعْرِف نظامَ حُكمٍ يقوم على "وجود حقيقى لنظام برلماني منتخب انتخاباً حراً ونزيهاً ويمارس عمله فى استقلالية عن السلطة التنفيذية" إلا فى سنوات لا يزيد مجموعُها على ثمانية أعوام - فى ظل دستور ١٩٢٣م (فى الفترة ما بين عامى ١٩٢٣ و١٩٥٢)- ،
- كما أنه خلال ثلاثة أرباع القرن الأخير فإنَّ مصر "عاشت فى حالة طوارئ ثابتة"، اعتاد عليها جهاز الدولة، وتشكلت فى إطارها تجارِبُه وثقافَتُه.
[فهمي هويدي - مُلَخِّصَاً طَرْحَ شيخِنا وأستاذِنا الجليل المستشار/ طارق البشري ورؤيته بهذا الخصوص]
#إضاءات_ومراجعات_يحيى_جادم